فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة الزلزلة:
قوله جل ذكره: بسم الله الرحمن الرحيم
{بسم الله} كلمة من تأملها بمعانيها ووقف على ما أودع فيها رتعت أسراره في رياض من الأنس مونقة، وأينعت أفكاره بلوائح من اليقين مشرقة، فهي على جلال الحق شاهد، وهي على ما يحيط به الذكر ويأتي عليه الحصر زائدة.
قوله جلّ ذكره: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضِ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقالهَا}.
أي: أموتهَا، وما فيها من الكنوز والدفائن.
{وَقال الإنسان مَا لَهَا}.
يعني الكافرُ الذي لا يُؤْمِنُ بها أي بالبعث.
{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}.
يومئذٍ تُخَبِّر الأرضُ:
{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}.
أي: إنما تفعَل ذلك بأمر الله.
{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ}.
{أَشْتَاتًا}: متفرِّقين.
{لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ} ليُحَاسَبوا.
قوله جلّ ذكره: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.
فيُقَاسي عناءَه. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة الزلزلة:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قال: إنَّهَا مَكِّيَّةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قال: إنَّهَا مَدَنِيَّةٌ: وَفَضْلُهَا كَثِيرٌ، وَتَحْتَوِي عَلَى عَظِيمٍ؛ قال إبْرَاهِيمُ التَّمِيمِيُّ: لَقَدْ أَدْرَكْت سَبْعِينَ شَيْخًا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا، أَصْغَرُهُمْ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد، وَسَمِعْته يَقرأ: {إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ}، حَتَّى إذَا بَلَغَ إلَى قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} بَكَى ثُمَّ قال: إنَّ هَذِهِ لَإِحْكَامٌ شَدِيدٌ.
وَلَقَدْ رَوَى الْعُلَمَاءُ الْأَثْبَاتُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ؛ فَأَمْسَكَ؛ فَقال: يَا رسول اللّه؛ أَوَإِنَّا لَنَرَى مَا عَمِلْنَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ؟ قال: «أَرَأَيْت مَا تَكْرَهُ فَهُوَ مَثَاقِيلُ ذَرِّ الشَّرِّ، وَيَدَّخِرُ لَكُمْ مَثَاقِيلَ ذَرِّ الْخَيْرِ حَتَّى تُعْطَوْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
قال أَبُو إدْرِيسَ: إنَّ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبْتِ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}.
وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَفَعَ رَجُلًا إلَى رَجُلٍ يعلمهُ حَتَّى إذَا بَلَغَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} قال: حَسْبِي.
قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «دَعُوهُ، فَإِنَّهُ قَدْ فَقِهَ».
وَرَوَى كَعْبُ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قال: لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ آيَتَيْنِ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَلَا تَجِدُونَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} قال جُلَسَاؤُهُ: بَلَى.
قال: فَإِنَّهُمَا قَدْ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قوله: «فَسُئِلَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحُمُرِ، فَقال: مَا أُنْزِلَ على فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}».
وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ مَا فَسَّرْنَا بِهِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الدُّنْيَا بِالْبَلَاءِ كَمَا تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ بِالْجَزَاءِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ.
قال الْقَاضِي: وَقَدْ سَرَدْنَا مِنْ الْقول فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَا سَرَدْنَا، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ، وَمِنْ تَمَامِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الْحُمُرِ، وَسَكَتَ عَنْ الْبِغَالِ، وَالْجَوَابُ فيهما واحد؛ لِأَنَّ الْبَغْلَ وَالْحِمَارَ لَا كَرَّ فِيهِمَا وَلَا فَرَّ.
فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا فِي الْخَيْلِ مِنْ الْأَجْرِ الدَّائِمِ وَالثَّوَابِ الْمُسْتَمِرِّ سَأَلَ السَّائِلُ عَنْ الْحُمُرِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ يَوْمَئِذٍ بَغْلٌ، وَلَا دَخَلَ الْحِجَازَ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بَغْلَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الدُّلْدُلُ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقَسُ، فَأَفْتَاهُ فِي الْحَمِيرِ بِعُمُومِ الْآيَةِ، وَإِنَّ فِي الْحِمَارِ مَثَاقِيلَ ذَرٍّ كَثِيرَةً.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَجْهَ هَذَا الدَّلِيلِ وَنَوْعَهُ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ أَوْ غَيْرِهِ وَتَحْقِيقُهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}
هذه الآية الكريمة تقتضي أن كل إنسان كافرا أو مسلما يجازى بالقليل من الخير والشر، وقد جاءت آيات أخر تدل على خلاف هذا العموم، أمّا ما فعله الكافر من الخير فالآيات تصرّح بإحباطه كقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} وكقوله: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} الآية، وقوله: {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} الآية، إلى غير ذلك من الآيات، وأمّا ما عمله المسلم من الشر فقد صرّحت الآيات بعدم لزوم مؤاخذته به لاحتمال المغفرة أو لوعد الله بها كقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، وقوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُم} إلى غير ذلك من الآيات، والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الآية من العام المخصوص، والمعنى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره إن لم يحبطه الكفر بدليل آيات إحباط الكفر عمل الكفار، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره إن لم يغفره الله له بدليل آيات احتمال الغفران والوعد به.
الثاني: أنّ الآية على عمومها وأنّ الكافر يرى جزاء كل عمله الحسن في الدنيا كما يدل عليه قوله تعالى: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} الآية، وقوله: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا} الآية، وقوله تعالى: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ}، والمؤمن يرى جزاء كل عمله السيّء في الدنيا بالمصائب والأمراض والآلام، ويدل لهذا ما أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وابن أبي حاتم وجماعة عن أنس قال: «بينا أبو بكر رضي الله عنه يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ} الآية فرفع أبو بكر يده وقال: يا رسول الله إني لراء ما عملت من مثقال ذرة من شر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر أرأيت ما ترى في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر» الحديث.
الوجه الثالث: أن الآية أيضًا على عمومها وأن معناها أن المؤمن يرى كل ما قدم من خير وشر فيغفر الله له الشر ويثيبه بالخير، والكافر يرى كل ما قدم من خير وشر فيحبط ما قدم من خير ويجازيه بما فعل من الشر. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
سورة الزلزلة:
{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)}
قوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ}: {إذا} شرطٌ، وجوابُها {تُحَدِّثُ} وهو الناصبُ لها عند الجُمهورِ. وجَوَّز أبو البقاء أَنْ يكونَ العاملُ فيها {يَصْدُرُ} وغيرُهم يجعلُ العاملَ فيها ما بعدَها ويَليها، وإنْ كان معمولًا لها بالإِضافةِ تقديرًا، واختاره مكي، وجَعَلَ ذلك نظيرَ {مَنْ} و{ما} يعني أنَّهما يَعْملان فيما بعدَهما الجزمَ، وما بعدَهما يعملُ فيهما النصبَ، ولو مثَّل بأَيّ لكان أوضحَ.
وقيل: العاملُ فيها مقدَّرٌ، أي: يُحْشَرون.
وقيل: اذكُرْ، وحينئذٍ تَخْرُج عن الظرفية والشرط.
قوله: {زِلْزَالَهَا} مصدرٌ مضافٌ لفاعلِه. والمعنى: زِلْزالَها الذي تَسْتَحقه ويَقْتضيه جِرْمُها وعِظَمُها.
قال الزمخشري: ونحُوه: أكرِمِ التقيَّ إكرامَه، وأَهِنِ الفاسِقَ إهانتَه، أو زِلْزالَها كلَّه. والعامَّةُ بكسر الزايِ.
والجحدريُّ وعيسى بفتحِها. فقيل: هما مصدران بمعنى.
وقيل: المكسورُ مصدرٌ، والمفتوحُ اسمٌ.
قال الزمخشري: وليس في الأبنية فَعْلال بالفتح إلاَّ في المضاعَفِ. قلت: وقد جَعَلَ بعضُهم المفتوحَ بمعنى اسمِ الفاعل نحو: صَلْصَال بمعنى مُصَلْصِل، وقد تقدَّم ذلك. وقوله: ليس في الأبنية فَعْلال. يعني غالبًا، وإلاَّ فقد وَرَدَ: ناقةٌ خَزْعال.
{وَقال الإنسان مَا لَهَا (3)}
قوله: {مَا لَهَا}: ابتداءٌ وخبرٌ، وهذا يَرُدُّ قول مَنْ قال: إنَّ الحالَ في نحو {فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] لازِمَةٌ لئلا يصيرَ الكلامُ غير مفيدٍ، فإنه لا حالَ هنا.
{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)}
قوله: {يَوْمَئِذٍ}: أي: يومَ إذ زُلْزِلَتْ. والعاملُ في {يومئذٍ تُحَدِّثُ} إنْ جَعَلَتْ {إذا} منصوبةٌ بما بعدها أو بمحذوفٍ، وإن جَعَلْتَ العاملَ فيها {تُحَدِّثُ} كان {يومئذٍ} بدلًا منها، فالعاملُ فيه العاملُ فيها، أو شيءٌ آخرُ لأنه على نيةِ تكرارِ العاملِ. خلافٌ مشهورٌ.
{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)} قوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ}: متعلق بـ: {تُحَدِّثُ} أي: تُحَدِّثُ. ويجوزُ أَنْ يتعلق بنفسِ {أخبارَها} وقيل: الباءُ زائدةٌ، وأنَّ وما في حَيِّزها بدلٌ من {أخبارَها} وقيل: الباءُ سببيةٌ، أي: بسبب إيحاءِ اللَّهِ تعالى إليها.
وقال الزمخشري: فإنْ قلتَ: أين مفعولا {تُحَدِّثُ}؟
قلت: حُذِفَ أَوَّلُهما.
والثاني: {أخبارَها}، وأصله: تُحَدِّث الخلق أخبارَها. إلاَّ أنَّ المقصودَ ذِكْرٌ تَحْديثِها الأخبارَ لا ذِكْرُ الخلق تعظيمًا لليوم.
فإن قلت: بمَ تَعلقتِ الباءُ في قوله: {بأنَّ ربَّك}؟
قلت: بتُحَدِّثُ؛ لأنَّ معناه: تُحَدِّثُ أخبارَها بسببِ إيحاءِ رَبِّك. ويجوزُ أَنْ يكونَ المعنى: تُحَدِّثُ ربَّك بتحديثِ أنَّ ربَّك أوحى لها أخبارَها، على أنَّ تَحْديثَها بأنَّ ربَّك أوحى لها تَحْديثٌ بأخبارِها، كما تقول: نَصَحْتَني كلَّ نصيحة بأَنْ نَصَحْتَني في الدين. قال الشيخ: وهو كلامٌ فيه عَفْشٌ يُنَزَّه القرآن عنه.
قلت: وأيُّ عَفْشٍ فيه مع صِحَّته وفصاحتِه؟ ولكنْ لَمَّا طالَ تقديرُه مِنْ جهةِ إفادتِه هذا المعنى الحسنَ جَعَله عَفْشًا وحاشاه.
ثم قال الزمخشريُّ: ويجوزُ أَنْ يكونَ {بأنَّ ربَّك} بدلًا مِنْ {أخبارَها} كأنه قيل: يومئذٍ تُحَدِّثُ بأخبارِها بأنَّ ربَّك أوحى لها؛ لأنَّك تقول: حَدَّثْتُه كذا، وحَدَّثْتُه بكذا.قال الشيخ: وإذا كان الفعلُ يتعدَّى تارةً بحرفِ جرٍّ، وتارةً يتعدى بنفسِه، وحرفُ الجرِّ ليس بزائدٍ، فلا يجوزُ في تابِعه إلاَّ الموافقةُ في الإِعرابِ فلا يجوز: (استغفَرْتُ الذنبَ العظيمِ) بنصبِ (الذنبَ) وجَرِّ (العظيم) لجواز أنَّك تقول (من الذنب)، ولا (اخْتَرْتُ زيدًا الرجالَ الكرامِ) بنصبِ الرجالَ (وخَفْضِ الكرامِ)، وكذلك لا يجوزُ اَنْ تقول: (استغفرتُ من الذنبِ العظيمَ) بنصبِ (العظيمَ) وكذلك في (اخْتَرْتُ) فلو كان حرفُ الجر زائدًا جاز الإِتباعُ على موضعِ الاسمِ بشروطهِ المحررةِ في علمِ النحوِ تقول: (ما رأيتُ مِنْ رجلٍ عاقلًا) لأنَّ (من) زائدةٌ، (ومِنْ رجل عاقلٍ) على اللفظِ، ولا يجوز نَصْبُ (رجل) وجَرُّ (عاقل) على جوازِ مراعاةِ دخولِ (من)، وإنْ وَرَدَ شيءٌ مِنْ ذلك فبابُه الشِّعْرُ. انتهى. ولا أَدْري كيف يُلْزِمُ الزمخشريَّ ما أَلْزَمَه به من جميعِ ِالمسائلِ التي ذكَرَها، فإنَّ الزمخشريِّ يقول: إنَّ هذا بدلٌ مِمَّا قبلَه، ثم ذَكَرَ مُسَوِّغَ دخولِ الباءِ في البدلِ: وهو أنَّ المُبْدَلَ منه يجوزُ دخولُ الباءِ عليه، فلو حَلَّ البدلُ مَحَلَّ المبدلِ منه ومعه الباءُ، لكان جائزًا؛ لأنَّ العاملَ يتعَدَّى به، وذَكَرَ مُسَوِّغًا لخُلُوِّ المبدلِ منه من الباءِ فقال: لأنَّك تقول: حَدَّثْتُه كذا وحَدَّثْتُه بكذا. وأمَّا كَوْنُه يَمْتنعُ أَنْ تقول: (استغفَرتُ الذنبَ العظيمِ) بنَصْبِ (الذنبَ) وجرِّ (العظيمِ) إلى آخرِه، فليس في كلامِ الزمخشريِّ شيءٌ منه البتةَ.
ونظيرُ ما قاله الزمخشريُّ في بابِ (استغفر) أَنْ تقول (استغفرْتُ اللَّهَ ذنبًا مِنْ شَتْمي زيدًا) فقولك: (مِنْ شَتْمي) بدلٌ مِنْ (الذنب) وهذا جائزٌ لا مَحالةَ.
قوله: {أوحى لَهَا} في هذه اللامِ أوجهٌ، أحدها: أنها بمعنى إلى، وإنما أُوْثِرَتْ على (إلى) لموافقةِ الفواصلِ.
وقال العجَّاج في وَصْف الأرض:
أَوْحَى لها القرار فاستقرَّتِ ** وشَدَّها بالرَّاسياتِ الثُّبَّتِ

الثاني: أنَّها على أصلِها، و(أوحى) يتعدَّى باللامِ تارةً وب (إلى) أخرى، ومنه البيتُ المتقدمُ.
الثالث: أنَّ اللامَ على بابها من العلةِ، والموحى إليه محذوفٌ، وهو الملائكةُ، تقديرُه: أوحى إلى الملائكةِ لأجلِ الأرضِ، أي: لأَجْلِ ما يَفْعَلون فيها.
{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)}
قوله: {يَوْمَئِذٍ}: إمَّا بدلٌ مِنْ {يومئذٍ}قبلَه، وإمَّا منصوبٌ بـ: {يَصْدُرُ} وإمَّا منصوبٌ بـ: {اذْكُرْ} مقدرًا.
قوله: {أَشْتَاتًا} حالٌ مِنْ {الناس} وهو جمع شَتَّ، أي: متفرِّقين في الأمنِ والخوفِ والبياضِ والسوادِ.
قوله: {لِّيُرَوْاْ} متعلق بـ: {يَصْدُرُ} وقيل: بـ: {أوحى} وما بينهما اعتراضٌ. والعامَّةُ على بنائِه للمفعولِ. وهو مِنْ رؤيةِ البصرِ فتعدَّى بالهمزِة إلى ثانٍ، وهو {أعمالَهم} وقرأ الحسن والأعرج وقتادة وحمادة بن سَلَمة- وتروى عن نافع، قال الزمخشري: وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم. مبنيًا للفاعل والمعنى: جزاءَ أعمالِهم.
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
قوله: {خَيْرًا}، {شَرًّا}: في نصبِهما وجهان، أظهرهما: أنهما تمييز للمِثْقال فإنه مقدارٌ.
والثاني: أنهما بدلان مِنْ {مثقال} قوله: {يَرَهُ} جوابُ الشرط في الموضعين.
وقرأ هشام بسكونِ هاء {يَرَهْ} وَصْلًا في الحرفَيْن. وباقي السبعةِ بضمِّها موصولةً بواوٍ وَصْلًا، وساكنةً وَقْفًا كسائرِ هاءِ الكنايةِ، هذا ما قرأتُ به. ونَقَل الشيخُ عن هشام وأبي بكر سكونَها، وعن أبي عمرو ضمُّها مُشْبعة، وباقي السبعةِ بإشباعِ الأولى وسكونِ الثانية. انتهى.
وكان ذلك لأجلِ الوقفِ على آخرِ السورةِ غالبًا. أمَّا لو وَصَلوا آخرَها بأولِ (العادِيات) كان الحكمُ الإِشباعَ هذا مقتضى أصولِهم كما قَدَّمْتُه وهو المنقول.
وقرأ العامَّةُ: {يَرَهُ} مبنيًا للفاعلِ.
وقرأ ابن عباس والحسين بن علي وزيد بن علي وأبو حيوة وعاصم والكسائي في رواية: {يُرَه} مبنيًا للمفعول. وعكرمة {يَراه} بالألفِ: إمَّا على تقديرِ الجزمِ بحَذْفِ الحركةِ المقدرة، وإمَّا على تَوَهُّمِ أنَّ {مَنْ} موصولةٌ، وتحقيق هذا مذكورٌ في أواخر يوسف. وحكى الزمخشري أن أعرابيًا أَخَّر {خيرًا يَرَهُ} فقيل له: قَدَّمْتُ وأَخَّرْتَ، فأنشد:
خذا بَطْنَ هرشي أوقَفاها فإنَّه ** كِلا جانِبَيْ هرشي لَهُنَّ طريقُ

انتهى. يريدُ أنَّ التقديمَ والتأخيرَ سواءٌ، وهذا لا يجوزُ البتةَ فإنه خطأٌ لا يُعْتَقَدُ به قراءة.
والذَّرَّة قيل: النملةُ الصغيرةُ. وأصغرُ ما تكونُ قضى عليها حَوْلٌ قال امرؤ القيس:
من القاصراتِ الطَرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ ** من الذَّرِّ فوق الإِتْبِ منها لأَثَّرا

. اهـ.